الأربعاء، 6 يونيو 2018

غرام متشرد

غرام متشرد
....

كعادتها .. توقفت لتحدق في قسماته مِن خلف زجاج سيارتها المغلق .. كعادته هب واقفا يصلح مِن هندامه البالي المتسخ مِن تراب الشارع والرصيف الذي يسكنه .. لحظات كأنها لاتمر وعيناها مصوبة ناحية المتشرد ولم يزل واقفا تملأ وجهه إبتسامة طفل بن سبع سنين .. ياالهي كيف تحتل قسمات طفل قسمات رجل ؟ .. يصلح مِن هندامه لم يزل ونظراته التائهه تجوب الشارع الكبير كأنه يخبر السيارات والماره عن سعادته بالواقفه له تحدق فيه .. تسمرت عيناها على لحيته المتسخة وشعر حاجبية الذي تهدل فكاد يغطي عينيه .. لا يمكن وصف الألم على قسماتها والسائق الذي قارب على السبعين ينتظر منها الأمر بإستئناف المسير .. وكعادتها تنتظر ذاك الواقف علي الرصيف وسط أكوام أوراقه وأسماله ليجلس فتأمره ليسير .. يراها الرجل في مرآته الأماميه فيحوقل كعادته ويهلهل ويهز رأسه أسفا .. لم تزل إبتسامة المتشرد تائهه ونظراته التي تشبه جب عميق باتت الآن لها .. ضحك لها وجلس فانطلق السائق .. 
- مايجبرك على هذا ياابنتي تعذبين نفسك كل يوم 
سألها السائق الطيب متألما لها .. أو لهما .. كان سائقا لأبيها ثم لها .. حملها طفلة وشارك ابيها في تربيتها .. 
- ألست أنا السبب فيما وصل إليه .. ألا ترى سعادته حين آتيه ليراني .. ؟
- أي سعاده ياابنتي .. هو في ملكوت الله لايعي 
- نزلت عليها كلمات الرجل كصاعقة .. أتراه فعلا فقد عقله .. غامت عيناها واحتل الصداع الرهيب رأسها وصوت أمه التي ماتت حزنا عليه مستقر في اذنيها لم يزل .. تسمعه كل حين .. تصرخ فيها وتود لو تقتلها 
- سأدعو عليكِ مع كل آذان .. ضيعت إبني .. راح بسبب إجرامك عقله .. الله لا يسعدك ولا يهنيكي ..
مع كل آذان تسمع دعائها عليها .. ترى دموعها .. 
أسندت رأسها والشعور بالذنب وجرمها لا أكبر منه .. صار بحجم الكون بل أكبر .. ها يتلو عليها قصائده فيها .. أنت سما .. كان عنوان أول قصائده لها .. صوته المفعم بالحب المرتجف بالحنين وعيناه اللامعتان بحبها مارأت مثل ذلك منذ غدرت به .. كانت كل كونه .. كل عالمه .. كل صباحاته ومساءاته .. وماكان لها إلاّ مُحبا شاعرا يُرضي غرورها بقصائد عالية المستوى .. رأى فيها زوجه وأم أولاده وحكي لها عن هذا .. ولم تر فيه إلا حالة ..
لم يبهره غناها ولا صيت والدها .. ولاسيارتها التي كانت تأتي لتأخذها من الجامعه بل كان ينظر إليها لا يرى غيرها .. 
ينظر إليها السائق الطيب الذي عاش تفاصيل غدرها به .. تلتقي عيناهما في المرآه .. كأنه يخبرها كم رجوتك ألا تتلاعبي بمشاعره .. يعود إلى مسمعها صوت أمه كطبول الحرب وكأن دعوات الأم قد اُجيبت .. هاهي أرملة لم تر فرحا وأم ليتيم .. إقتحم صوته الشادي بأنغام قصائده كيانها إستسلمت لضمير يؤنبها .. كساحة حرب الآن رأسها .. ها صوت والدها يخبرها أن لامانع لديه لو تتزوجه .. وها ضحكتها المستهترة تملأ رأسها كضجيج وفوضى .. 
- لا بابا حين أتزوج سيحكمني المنطق والعقل .. سأختار أسره وأب لأولادي 
- لا أعرف أي قسوة وأي عقل يتملكانك لا انا هكذا ولا أمك 
قالها الأب الراحل متعجبا 
- قف ياعم شاكر
جفل السائق لحظة وتوقف .. ظلت صامته كأنها تفكر في شيء 
- ماذا يادكتوره ؟
كأنها لا تسمع وعيناها زائغتان تحملق في جدران السياره كأنها تراها لاول مره 
- سنعود 
- والشركه ؟
- وهل سأقضي حياتي في حزن وعمل 
صرخت في وجهه
- حسنا حسنا .. نعود إلى اين ؟ سالها 
- إليه 
إلتفت إليها كأنه لايصدق 
- إلى من ؟
- سامح .. الذي تراه متشردا فقد عقله 
تقترب السيارة إلى حيث سكنه على الرصيف .. تنتظره أن يهب واقفا .. حتى وهو فاقد عقله تنتظره ليرضي غرورها .. لم يقف .. ترجلت من السياره حين رات زحاما حوله .. والحوقلة ينطق بها كل من يراه .. وقد جلس مستندا على الحائط ولم تزل إبتسامته الميته الخاليه من المعنى تحتل وجهه .. مابالها ميته الان تلك الإبتسامه سألت نفسها .. إقتربت منه غير عابئة بنظرات المندهشين ..
- سامح .. مابك .. 
حرك إليها عينيه .. ظل محدقاً فيها 
- تعرفني ؟
- نعم 
- أنا من ؟
- أنت سما
أنخلع قلبها .. لم يزل يذكر بعد هذه السنوات اول قصائده لها .. 
- لما تبكي .. ماجرى ؟
- أنا أموت ... 
- ماذا ؟ .. صرخت كأنها ترفض قوله والناس حولها في عجب 
- سامح ماذا قلت 
- أنا أموت .. قالها بيقين أرعبها 
- أنت غاضب مني ؟ .. 
لم يرد وعيناه تجوبان السماء 
- هل تسامحني 
- لا
قالها بغضب السنين .. صارخا كأنه يُشهد عليها الناس من حولها ..
أسلم الروح 
..
رمضان شحاته
ربما تحتوي الصورة على: ‏‏شخص واحد‏، و‏‏نص‏‏‏

عرض مزيد م

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق